المعرفة الجغرافية والتاريخية
على الرغم من التطور الكمي والنوعي للأبحاث التاريخية بالمغرب، إلا أنّها تسير بوتيرة بطيئة بحيث إنّ بعض المواضيع والقضايا الشائكة ما زالت تحتفظ بعذريتها، أو حظيت ببعض الاهتمام في أحسن الأحوال. وتعد تجربة المهدي بن تومرت وعبرها دولة الموحدين إحدى الفترات التاريخية التي تحفل بالإشكاليات التاريخية غير المطروقة. حيث أنّ معظم الدراسات انبرت إلى البحث في بعض الإشكاليات الجدالية القديمة حول مذهب ابن تومرت، في حين بقيت قضايا أخرى بعيدة عن أعين الدارسين، على رأسها رواية دفن المهدي بن تومرت للأحياء وتكليمهم على أساس أنّهم موتى، والتي لم تحظ بالدرس والتحليل الكافيين؛ فأغلب المؤرخين والباحثين يمُرون عليها مرورًا عابرًا، ويكتفي بعضهم بإيرادها إمعانًا في دحض مذهب ابن تومرت وتفنيده، في حين لا يلتفت إليها آخرون. لكل هذه الأسباب حاولنا من خلال الإطلالة السريعة طرق الموضوع من جديد واستقصاء النصوص المصدرية، لعلها تسعفنا في توضيح بعض جوانب هذه القضية المستعصية، عبر التساؤلات الأولية التالية: هل استنجد ابن تومرت بواحدة من أبرز كرامات الصوفية "إحياء الموتى وتكليمهم"، أم أنّ الأمر يتعلق بروايات مُختلقة من طرف خصومه بهدف ضرب عقيدته التي لاقت انتشارًا واسعًا؟
مقدمة
تُعد تجربة المهدي ابن تومرت أنجح تجربة مهدوية في الغرب الإسلامي، وتتضارب الروايات التاريخية حول سيرة هذا الرجل، فإذا كانت المصادر الموحدية قد أغدقت عليه بالمديح إلى حد تقديسه، فإنّ بعض المصادر والكتب الفقهية المتأخرة، خاصة المؤلَّفة على عصر بني مرين، لم تتردد في وصفه بالشعوذة والتحايل، فظهرت روايات حول خدعه وأساليبه التي وُصفت بالمكر والعنف، من بينها رواية دفن المهدي بن تومرت للأحياء وتكليمهم على أساس أنّهم موتى، والتي لم تحظ بالدرس والتحليل الكافيين؛ فأغلب المؤرخين والباحثين يمُرون عليها مرورًا عابرًا، ويكتفي بعضهم بإيرادها إمعانًا في دحض مذهب ابن تومرت وتفنيده، في حين لا يلتفت إليها آخرون. فما هو السياق الذي وضعته هذه الروايات إطارًا تاريخيًّا لادعاء المهدي "تكليم الموتى"؟
الإطار التاريخي: الموحدون؛ تعثرات البداية
وُلد محمد بن تومرت بداية العقد الثامن من القرن الخامس الهجري (القرن 11م)[1] في إحدى قرى جبال درن جنوب المغرب الأقصى حيث تستوطن قبائل مصمودة التي ينتمي إليها، وتنقَّل في طلب العلم بين المغرب والمشرق في رحلة طويلة تجاوزت الأربعة عشر عامًا. وبعد عودته إلى المغرب شرع في بثّ دعوته على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مستغلاًّ تناقضات الحكم المرابطي، وناهلاً من مذاهب عديدة. قبل أن يتبنّى فكرة المهدوية التي تعد واحدةً من أهم الوسائل التي يتيحها التراث الإسلامي لإضفاء الشرعية على الحكم[2]، ورتّب أتباعه في هيئات استشارية منتظمة ومحكمة الأدوار، بعد أن ربط نسبه بالنبي[3].
وبعد فترة قصيرة من العمل السري، وتحديدًا سنة 518هـ/ 1124م، خرجت الدعوة الموحدية إلى ميدان العمل المسلح مركزة في البداية على إخضاع القبائل الجبلية الموالية للمرابطين، وقد وُصِفت هذه العملية بالدموية والعنف[4]. ثم حاول الموحدون تجاوز الصدام مع القبائل الموالية للمرابطين بالدخول في حرب مباشرة مع هؤلاء، ويظهر أنّ بعض الانتصارات الصغيرة التي حققها الموحدون، قد شجعتهم على التقدم باتجاه مراكش عاصمة المرابطين لحصارها، غير أنّ هزيمتهم كانت شنيعة في معركة البحيرة سنة 524هـ/ 1130م، إذ خسروا أعدادًا كبيرة من قياديي الحركة ومقاتليها، وكان من بين الجرحى الرجل الثاني في حركة الموحدين عبد المؤمن بن علي الكومي. ويبدو من خلال كلام البيدق الذي عاصر وعايش هذه الأحداث، أنّ أثر هزيمة البحيرة كان كبيرا في جموع الموحدين، وفي المهدي نفسه[5].
قضية "تكليم المهدي للموتى" في الروايات التاريخية والفقهية؛ قراءة نقدية
حسب علمنا؛ فإنّ أقدم مصدر ذَكَر رواية "ادعاء المهدي تكليم الموتى" هو الأنيس المطرب، ولأهميتها ارتأينا أن نوردها كاملة، قال ابن أبي زرع متحدثًا عن ابن تومرت: "وَمِنْ تَحَيُّله وتَهَاوُنِه بِسَفْكِ الدّماء أنّه أخذ قوْمًا من أتباعِهِ ودفَنَهُمْ أحْيَاء، وجَعَلَ لِكُلّ واحد منهم مُتَنَفّسًا في قَبره وقال لهم: إذا سُئِلْتُم فقُولُوا قد وجَدنَا ما وَعَدَنَا رَبُّنا حقًّا من مضاعفات الثواب على جهاد لمتونة وعلّة الدرجات التي نِلْنَا بالشّهادة، فَجِدُّوا في جهاد عدوّكم، فإنّ ما دعاكم إليه الأمام المهدي صَاحِبُكُم حَقّ، وقال لهم: إذا قلتم ذلك أخْرَجْتُكُم وكانت لَكُم من المنزلة عندي أَعْلاَهَا وأسْنَاها، وعَاهَدَهُم على ذلك، والسّبب في ذلك أنّ جيش الموحدين لما التقى بعسكر المرابطين واشتدت الحروب بينهم قُتِل من الموحدين خلق كثير، فَعَظُمَ ذلك على قبائلهم وعشائرهم، ففعَلَ ذلك ليُهَوِّنَ عليهِم ما أصابهم من القتل والجراحات، فأتى إلى مَوْضِع المَقْتَلة لَيْلاً فدَفَنَهم بين القتلى وردّ عليْهِم التُّراب، ثم رجع إلى محلّتِه وقد ذهب أكثر الليل، فقال لأشياخ الموحدين: يا معشر الموحدين، أنتم حزب الله وأنصارُ دينِه وأعوانُ الحق، فجدّوا في قتال عدوِّكم، فإنّكم على منهاج الحق، وأنتم على بصيرة من أمرِكُم، وإن كنتم ترتابون فيما أقوله لكم فاذْهَبُوا إلى موضِع المعركة واسْأَلُوا من قُتِل اليوم من إخوانكم يُخبِركم بفضل جهادكم وعظيمِ ثوابِكم عليه في الآخرة، فأتى بهم إلى المقتلة ثم نادى برفيع صوتِه، يا معشر الشهداء، خَبِّرُونَا مَا لَقَيْتُم من الله عز وجل، فقالوا: وَجَدْنا عند الله تعالى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلما سَمِعُوا الجواب رَجعُوا إلى قومهم وقبائلهم فقالوا: قد سمعنا ما أجاب به إخوانُنا الذين استشهدوا مِنّا وما شَهدوا من فضل الله تعالى وجزيل ثوابه، فافتتن بذلك كافة الناس، فأتى فأغلقَ على أصحابه الذين دفنهم المنافسَ التي كانت تُرِكَتْ لهم، فماتوا من ساعتها غمًّا، فعل ذلك بهم لئلا يَخْرجوا ويُسِرُّوا إلى خَاصّتهم ما فَعَلَهُ بهم"[6].
يحاول ابن أبي زرع من خلال هذه الرواية أن يبين أنّ ابن تومرت قد تواطأ مع بعض أتباعه بأن يدفنهم أحياء ويجعل لهم متنفسًا يتكلمون به مع أنصار المهدي، يشهدون بصحة المهدي، ويخبرون بما يَلْقَون من نعيم بعد الموت، معللاً سبب لجوء المهدي إلى هذه الخدعة بهزيمةٍ أمام المرابطين، لم يُحددها لا بالاسم ولابالتاريخ ولا بالمكان، وكان لابد للمهدي من طريقة يسترجع بها ثقة أنصاره بعدها.
وقد حاولنا تتبع تطور المعارك بين الطرفين من أجل تحديد الهزيمة التي قد تكون دفعت المهدي إلى حيلة "دفن الأحياء وادعاء تكليمهم على أساس أنّهم موتى" حسب ابن أبي زرع، وبالاطلاع على الصفحات التي خصّصها لسيرة المهدي وحروبه مع المرابطين، اتضح لنا أنّه وقع في خلط، إذ أنّه لا يذكر ولو هزيمة واحدة للموحدين أمام المرابطين؛ بل ولم يذكر هزيمة البحيرة التي أجمعت المصادر على وقوعها وعلى جسامة خسائر الموحدين فيها. فقد نسب ابن أبي زرع الانتصار إلى الموحدين في جميع المعارك، بما في ذلك المعارك التي أرخ لها بسنة 524 هـ / 1130م. وبالمقارنة مع مصادر أخرى[7]، يتضح أنّ الجيشين الموحدي والمرابطي لم يلتقيا في مواجهات مباشرة في حياة محمد بن تومرت، حيث فضّل الموحدون نهج أسلوب الضربات الفجائية الخاطفة، مع التركيز على إخضاع القبائل الموالية للمرابطين. كما لم تذكُر هذه المصادر أي مواجهة تكبّد فيها الموحدون خسائر بالحجم الذي يمكن أن يدفع ابن تومرت إلى اللجوء إلى هذه الحيلة؛ بل ويذكر صاحب الحلل الموشية "أنّه كَانَ لِطَائفة المهدي من الموحدين على المرابطين في المعارك التي كانت بينهم نحو أربعينَ هزيمة حتّى كانت هذه لهم..."[8]، أي أنّ المواجهة المباشرة الوحيدة التي تلقى فيها الموحدون ضربة موجعة أثرت في صفوفهم هي معركة البحيرة السالفة الذكر.
يبدو تحامل صاحب روض القرطاس الذي عاش في كنف دولة بني مرين واضحًا على تاريخ أسلافهم الموحدين؛ فقد سُجّل عليه القدح في المهدي كما أنّه قبل هذه الرواية -التي لا شك أنّها كانت رائجة خلال عصره – دون تمحيص.
وردت هذه الرواية في كتب الفقه أيضًا، ومن بين من أوردها من الفقهاء ابن تيمية؛ إذ أجاب على سؤال حول مرشدة ابن تومرت قائلاً: "أصْلُ هَذِه: أنّه وضعها أَبُو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت: الذي لقب بالمهدي، وكان قد ظهر في المغرب في أوائل المائة الخامسة من نحو مائتي سنة... ولما رجع إلى المغرب، صعد إلى جبال المغرب، إلى قوم من البربر وغيرهم: جهّالاً لا يعرفون من دين الإسلام إلا ما شاء فعلمهم الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام واستجاز أن يُظهر لهم أنواعاً من المخَاريف، ليدعوهم بها الى الدّين، فصَار يَجِيءُ إلى المقابر يدفن بها أقواماً ويواطئهم على أن يكلموه إذا دعاهم، ويَشهدوا له بما طلبه منهم، مثل أن يشهدوا له بأنّه المهدي، الذي بشّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم... فإذا اعتقد أولئك البربر أنّ الموتى يكلمونه ويشهدون له بذلك، عظم اعتقادهم فيه وطاعتهم لأمره. ثم أنّ أولئك المقبورين يهدم عليهم القبور ليموتوا، ولا يُظهِروا أمره، واعتقد أنّ دماء أولئك مباحة بدون هذا... وقد ذكر عنه أهل المغرب وأهل المشرق الذين ذكروا أخباره من هذه الحكايات أنواعاً وهي مشهورة عند من يعرف حاله عنه.[9]"
من الواضح أنّ ابن تيمية المتأخر هو الآخر عن زمن الأحداث (ت. 728 هـ/1327م) لم يكلف نفسه على غرار ابن أبي زرع عناء التحقق من الروايات والحكايات التي وصلته عن المهدي، ولا الإشارة إليها بالتحديد في كتابه، إذ يذكر في آخر الروايةِ أنّ الخبر وصله عن طريق "روايات أهل المشرق والمغرب"، ولابد أن يكون للاختلاف المذهبي مع ابن تومرت دور في هذا التهاون.
وعلى الرغم من التحامل الواضح لابن تيمية على ابن تومرت؛ فإنّه لا يصل إلى المستوى الذي ذهب إليه ابن القيم الجوزية في موقفه من المهدي؛ وقد نقل أيضًا رواية "ادعائه تكليم الموتى"؛ يقول ابن القيم: "...أمّا مهدي المغاربة محمد ابن تومرت فإنّه رجل كذّاب ظالم، متغلب بالباطل، ملك بالظلم والتغلب والتحيل، فقتل النفوس، وأباح حريم المسلمين وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم، وكان شرًّا على الملّة من الحجاج بن يوسف بكثير، وكان يُودع بطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياء ويأمرهم أن يقولوا للناس: إنّه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يردم عليهم ليْلاً لئلا يُكَذّبوه بعد ذلك..."[10]. ونفهم من كلام ابن القيم أنّ خدعة "تكليم الموتى" كانت تتكرر كل مرة، ما يجعل روايته تختلف عن روايتي ابن أبي زرع وابن تيمية التي تذكر أنّ الحيلة وُظفت مرة واحدة. ومن الواضح أنّ ابن القيم قد نقل هو الآخر الرواية دون نقد. ومن المعلوم أنّه توفي بدمشق عام 751هـ/1351م، وقد يكون ألّف الكتاب سنة 749هـ/1349م أي بعد مرور أزيد من قرنين عن وفاة المهدي بن تومرت[11].
إذا افترضنا بأنّ أكبر معركة خسرها الموحدون وكانت قاسية عليهم، هي معركة البحيرة؛ يمكننا حصر المجال الزمني الذي تحدده الروايات تاريخًا "لادعاء المهدي تكليم الموتى" في أقل من نصف عام، ما بين تاريخ وقعة البحيرة في 2 جمادى الأولى سنة 524هـ (السبت 12 أبريل 1130م.) وتاريخ وفاة المهدي في 25 رمضان من السنة نفسها (يوافق 20 غشت 1131م)، ويبدو أنّ الموحدين خلال هذه المدة القصيرة كانوا منشغلين بترتيب البيت الداخلي وتجنب هجمات المرابطين الذين حاولوا تثمين انتصارهم بمطاردة فلول الموحدين، كما تصادف نهايةُ هذه الفترة مرضَ المهدي الذي مات منه.
في مقابل هذه الروايات المتأخرة؛ لم تشر المصادر الموحدية إلى الموضوع، وهي الحريصة على ذكر كل كرامات الموحدين الأوائل خاصة ابن تومرت والبشير الونشريسي وعبد المؤمن، وإذا كان الأمر بالنسبة إلى الإخباريين الموحدين يتعلق بقدرة المهدي على تكليم الموتى باعتبارها كرامة من كراماته، وإذا كان الإخباريون الموحديون - البيذق وابن القطان مثلاً - لم يترددوا في سرد روايات تظهر فيها "كرامات" مماثلة نسبت إلى البشير الونشريسي وعبد المؤمن الكومي وغيرهما، كما ذكروا أحداث "التمييز" التي اتسمت بالدموية ووُظٍّفت ضد الموحدين؛ فما الذي يمكن أن يفسر سكوت المصادر الموحدية عن ذكر هذا الخبر- الكرامة؟
يلفت الانتباه ما ورد حول الموضوع، عند عبد الواحد المراكشي الذي عاصر الدولة الموحدية منذ أواسط عهدها (ت. 647 هـ/ 1249م). يقول في المعجب: "ولما رجع القوم إلى ابن تومرت، جعل يُهَوِّن عليهم أمر الهزيمة، ويُقَرِّر عندهم أنّ قتلاهم شهداء؛ لأنهم ذابُّون عن دين الله، مُظهرون للسُّنَّة؛ فزادهم ذلك بصيرةً في أمرهم، وحرصًا على لقاء عدوِّهم، ومن حينئذٍ جعل المصامدة يشنُّون الغارات على نواحي مراكش، ويقطعون عنها موادَّ المعايش وموصول المرافق، ويقتلون ويَسْبُون، ولا يُبْقُون على أحد ممن قَدروا عليه؛ وكثر الداخلون في طاعتهم والمُنْحَاشون إليهم، وابن تومرت في ذلك كله يُكثر التزهُّد والتقلُّل، ويُظهر التشبُّه بالصالحين، والتشدُّد في إقامة الحدود؛ جاريًا في ذلك على السُّنَّة الأُولى"[12].
من الواضح من خلال النص هول الموقف الذي وقع فيه الموحدون بعد معركة البحيرة، وحاجة ابن تومرت إلى الرفع من معنويات أنصاره، غير أنّ المراكشي لا يذكر رواية "دفن المهدي للموتى"، فما الذي منعه من ذلك، وهو الذي عاش آخر حياته في المشرق بعيدًا عن رقابه الخلفاء الموحدين، وكان بإمكانه أن يكتب ما أراده بكل حرية؟
ويظهـر أنّ ابن خلـدون كان على اطلاع على بعض هذه الروايات؛ إذ يقول منافحًا عن ابن تومرت "... وَيَلْحَقُ بهذه المقَالات الفَاسِدة والمذاهب الفائلة ما يتناوله ضَعَفَة الرأي من فقهاء المغرب من القدح في الإمام المهدي، صاحب دولة الموحدين ونِسْبتُه إلى الشعوذة والتلبيس في ما أتاه من القيام بالتوحيد الحق والنعي عن أهل البغي قبله وتكذيبهم لجميع مدعياته في ذلك..."[13]، ويُرْجِع سببَ هذا القدح إلى الحسد قائلاً: "وإنّما حمل الفقهاء خصوصًا على تكذيبه؛ ما كمن في نفوسهم من تكذيبه..."[14].
وبغض النظر عن موقف ابن خلدون الإيجابي من ابن تومرت؛ الذي قد تكون تحكمت فيه مراعاته لموقف الحفصيين الذين عاصرهم وعاش تحت كنفهم مدة من الزمن[15]؛ فإنّ ما يهمنا هو إشارته إلى أنّ مصدرها هو الفقهاء، مما يبين أنّ الاختلافات المذهبية والإيديولوجية قد تكون ساهمت بشكل كبير في صياغة بعض الروايات ضد المهدي بن تومرت والموحدين، ضمنها الرواية موضوع الدرس.
خاتمة
تطرح رواية ادعاء المهدي تكليم الموتى عن طريق الخدعة عدة تساؤلات تجعل من الصعب على الباحث الجزم بوقوعها. ذلك أنّ طبيعة النصوص التي أوردت الرواية باعتبار أغلبها نصوصًا فقهية عُرف عن أصحابها التحامل على المهدي والاختلاف مع عقيدته، وتضارب المعطيات التي تقدمها الروايات وغياب الدقة في تحديد المكان والزمان، وتأخر تاريخ تأليفها مقابل عدم ورودها عند كبار الإخباريين والمؤرخين المعاصرين لحياة ابن تومرت أو القريبين منها؛ يجعل من المغامرة الجزم بصحتها. ولعل ظهور أو اكتشاف نصوص أو مصادر مفقودة قريبة من المرحلة، كفيل بحسم هذا الجدل.
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق