تعتبر التهيئة الترابية خيارا استراتيجيا للدولة المغربية في تدخلاتها الرامية لتحقيق التنمية المستدامة بجميع جهات المملكة٬ وتفعيل التضامن بين مختلف المناطق٬ بما يتماشى مع روح الجهوية المتقدمة التي يجري الاستعداد لتنزيلها بعد التنصيص عليها في الدستور الجديد.
وتتوخى سياسة إعداد التراب الوطني بالفعل الحد من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف الجهات٬ من خلال تدخل الدولة لتنظيم المجال الجغرافي عبر التأهيل الفلاحي وتطوير الصناعة والتهيئة الحضرية للمدن٬ بغية التحكم في توزيع السكان والأنشطة الاقتصادية وتحقيق تنمية جهوية متوازنة٬ اقتصاديا وبشريا واجتماعيا٬ وبالتالي التغلب على التحديات الديمغرافية والاقتصادية والبيئية القائمة٬ أخذا بعين الاعتبار خصوصيات وإمكانيات كل منطقة.
وترتبط التهيئة الترابية ارتباطا وثيقا بقضايا اللامركزية والجهوية والحكامة والتنمية٬ إذ يعتبر الإعداد الجيد للتراب الوطني من بين الأسس التي تعتمد عليها التنمية في جميع المجالات. وتقوم مبادئ سياسة إعداد التراب الوطني على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة٬ وتدعيم الوحدة الوطنية وتعزيز الديمقراطية المحلية٬ والتضامن بين مكونات التراب الوطني٬ وترشيد استغلال الموارد الطبيعية والمحافظة على التوازن البيئي في إطار التنمية المستدامة.
وهكذا تعتبر تهيئة ضفتي نهر أبي رقراق بالرباط٬ وتهيئة بحيرة مارشيكا بالناظور٬ التي ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ اليوم السبت بالناظور٬ مراسم تقديم تصميم تهيئتها٬ وبرنامج تنمية واحات تافيلالت وطنجة المتوسط٬ نماذج تجسد هذه الرؤية المندمجة للتنمية الترابية.
وللإشارة فقد تم إدخال سياسة إعداد التراب الوطني ضمن السياسات العامة منذ النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي٬ كجواب على الاختلالات والفوارق التي عانت منها مختلف جهات المملكة٬ وغياب النظرة الشمولية في تخطيط المجال واختلال التوازن الذي في البوادي والمدن ومجموع التراب على مستوى توزيع الساكنة والأنشطة٬ خاصة مع تنامي الهجرة القروية نحو المدن٬ مما استدعى اتخاذ تدابير متعددة للتخفيف من حدة تمركز القطاعات الإنتاجية وتنظيم التزايد المستمر للساكنة.
كما أن مسلسل إرساء سياسة ترابية واضحة المعالم انطلق مع الحوار الوطني لإعداد التراب سنة 2000 الذي أسفر عن الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني سنة 2001 والذي يعتبر إطارا قانونيا وتوجيهيا٬ يحدد المعالم الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني.
ويعتبر هذا الميثاق٬ أيضا٬ منطلقا تمت على أساسه صياغة المخطط الوطني لإعداد التراب الوطني الذي أخذ شكله النهائي سنة 2003 كوثيقة مرجعية استراتيجية لسياسة إعداد التراب تبين آليات ربط المجال وتطوير الوظائف الأساسية في إطار التنمية الشاملة للتجمعات والتوجيهات التي ينبغي مراعاتها في إعداد وثائق التعمير٬ وأداة للتشاور مع كل الفاعلين المعنيين بتحقيق التدبير الديمقراطي للتعمير٬ بالارتكاز على مبادئ الإنصاف الاجتماعي والنجاعة الاقتصادية والتنمية المستدامة.
وتشكل التصاميم الجهوية لإعداد التراب الوطني تنزيلا محليا لهذا التصميم الوطني على مستوى الجهات٬ باعتبارها الضامن لتجانس السياسات العمومية على الصعيد الجهوي من جهة٬ ولتجانس هذه السياسات الجهوية مع الخيارات الوطنية من جهة أخرى٬ مما يمكن من تجسيد المشروع الجهوي في إطار التعاقد بين الدولة والجهة.
ومن بين الوسائل المعتمدة في إعداد التراب٬ هناك المجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني الذي يقترح التوجهات الكبرى للتهيئة والتنمية المستدامة ويبدي رأيه بخصوص مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية والتصاميم ومختلف الوثائق الوطنية والجهوية المتعلقة بإعداد التراب والحرص على انسجام مختلف الخيارات والمشاريع القطاعية الكبرى.
ويشمل برنامج عمل الحكومة الحالية في مجال التنمية المجالية إخراج مشروع قانون إعداد التراب الوطني إلى حيز الوجود وإعداد وتفعيل الدفعة الأولى من برنامج عمل لتأهيل تنمية عدد من المراكز القروية٬ وعقد الدورة الثانية للمجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني٬ إلى جانب إنهاء كافة التصاميم الجهوية لإعداد التراب والانتهاء من تنفيذ برنامج تنمية واحات تافيلالت.
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق